نظمت جمعية الخريجين احتفالية تحت عنوان "محمد الشارخ... من الكويت إلى العالمية" وذلك تزامناً مع ذكرى مولده (22 أكتوبر 1942 )، وتخليداً لسيرة الراحل الذي توفي في أذار/ مارس الماضي.
وحضر الاحتفال شخصيات من داخل الكويت وخارجها. وصاحب الحدث، عارضاً لمجموعة صور تؤرخ لحياة الراحل في محطاتها المهنية والعائلية المختلفة، فضلاً عن نماذج من أجهزة "صخر".
أدار د. فهد الهندال الاحتفالية، واستهلها بالإشارة إلى أن "الراحل حمل على عاتقه رسالة النهوض بلغة الضاد، وسط عجيج التكنولوجيا العاتية". واعتبر أن "الشارخ جاء ليرسم ملامح النهضة، ويمنح اللغة العربية جناحات تطير بها في فضاءات العلم والمعرفة، فكان يسعى لصنع جسور بين ماض عريق ومستقبل يتشكل أمام عينيه".
من جهته، أكد رئيس جمعية الخريجين إبراهيم المليفي على أن "إنتاج حاسوب صخر سد نقصاً هائلاً في السوق العربية وقتها وبأسعار كانت في متناول الجميع"، لافتاً إلى "تجربته في ثانوية كيفان عندما كان عمره 14 عاماً واستخدم أجهزة صخر في العام 1985".
وذكر أن "الشارخ أنفق على مشروعاته من ماله الخاص، دون دعم من أحد"، مشدداً على الحاجة "لأكثر من شارخ وأكثر من صخر حتى نحافظ على لغتنا وهويتنا الإسلامية أمام هذا الذكاء الذي لا نعلم إلى أين سيأخذنا".
بدوره، قال مستشار التسويق وعلاقات العملاء في شركة أفنان القابضة رياض أحمد الشارخ إنه "عايش الراحل قرابة 50 عاماً". وأشار إلى أن "تجربة صخر كانت مسيرة فيها الكثير من التحدي والإبداع والتميز"، لافتاً إلى أن "الانطلاقة تزامنت مع أزمة سوق المناخ، حيث كانت الأسهم تتهاوى بينما الشارخ يبدأ مشروعه الجديد".
أضاف: "الشارخ أسس شركة "العالمية للبرامج" ككيان منفصل عن شركة العالمية للإلكترونيات، وبدأنا في تعيين مبرمجين ومصممين عرب في وقت كان هناك شح كبير في هذه الشريحة"، مشيراً إلى أنه "في العام 1985 تم طرح أول منتج باسم صخر في جامعة الكويت، وكان الأول من نوعه في الوطن العربي. وفي العام 1986 بدأ التسويق خارج الكويت ."
وذكر أنه " تم إنتاج مجموعة من الكتب باللغة العربية لتعليم الكمبيوتر بلغة مبسطة، فضلاً عن 60 برنامج تعليمي تم إنتاجها في السنوات الثلاثة الأولى، واعتنينا بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ثم دخلنا في فترة الخلافات القانونية مع شركة مايكروسوفت مع الاستمرار خلال فترة التسعينات في تقنيات المعالجة الطبيعية للغة العربية".
تقريب المسافات بين البلدان العربية
استهل الكاتب المصري إبراهيم داود كلمته بالقول، "يعز علي أن أكون في الكويت، وأبو فهد غائب عنها، فللراحل منزلة كبيرة في قلبي لما قدمه للغة العربية، وما تحلى به من خصال جمعت بين الفراسة والجسارة والنبل والطيبة والتواضع".
وشدد على أن "الراحل لعب دوراً في تقريب المسافات بين البلدان العربية"، مشيراً إلى أنه كان يفرح بالأعمال الأدبية ويدافع عنها كأنه صاحبها".
وبيّن أن "الراحل حين قرر الكتابة اختار منطقة لم يسبقه إليه أحد فيها، فكتاباته تحيلك إلى كبار كتاب العالم من خلال أعماله التي تناقش العدالة الاجتماعية وعلاقة العرب بالعولمة".
من جهته، قال الناقد المغربي والباحث الفلسفي المغربي عبدالعزيز بومسهولي إن "هذه الأمسية تستحضر ذكرى رجل عظيم، كنت محظوظاً بالتعرف عليه بفضل الفيلسوف الراحل محمد عابد الجابري". كما ذكر أن "الراحل كان معجباً بالتجربة المغربية، وزياراته المتكررة للمغرب لم تكن للاستجمام بل لتمتين روابط الصداقة".
بدوره، أكد نائب رئيس مجلس إدارة "كامكو إنفست" والمدير الشريك لصندوق JEDI فهد محمد الشارخ، نجل الراحل، أنه تعلم من والده القدرة على الإصرار والإيمان بالحق والجرأة والشجاعة على الاستمرار.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي كان الجميع يتحدث فيه عن أزمة سوق المناخ في العام 1981 كان الراحل يتحدث أنه بصدد إنتاج كمبيوتر، وفي الغزو أصر على الاستمرار في مشروع صخر، وكانت التهديدات تتزايد عليه فأصر على أن ينطلق في البر متسلحاً بالجرأة والإيمان لينطلق إلى مصر.
وتابع "بعدها بدأت أزمة مايكروسوفت، فأصر الوالد أن يذهب لعقر دار بيل غيتس ويقاضيه وحصلنا على تسوية، واستمر في تطوير صخر"، لافتاً إلى أن "تطوير البرامج كلف الملايين، لكن عدم احترام الملكية الفكرية تسبب في خسائر في العام 1995، ورغم ذلك حصلنا على براءات اختراع أميركية وأصررنا على تكملة المشوار".
وتحدث عن معاناة الراحل في آخر ثلاث سنوات بسبب مرض الفشل الكلوي، لافتاً إلى أنه رغم الألم كان دائم السؤال على الأرشيف والمعجم والمصحح لخوفه على اللغة العربية.
وأشار إلى استحواذ المملكة العربية السعودية على المعجم الذي يسمى الآن معجم الرياض، مشيداً بما تشهده المملكة من تطور لافت.
وبيّن أنه عند وفاة الراحل وصل عدد مستخدمي تطبيق التصحيح اللغوي إلى قرابة 300 ألف مستخدم، بينما وصل مشروع أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية العربية لأكثر من نصف مليار كلمة و2 مليون صفحة.
وفي مداخلات الحضور، أكد السفير عبد العزيز الشارخ أن "الراحل كان يذكر له أن الحضارة الغربية تجاوزتنا بكثير ولن نستطيع اللحاق بها إلا في حالة واحدة وهي أن يصبح الكمبيوتر بأهمية سكين المطبخ"، مشيداً بالدور الرائع لزوجة الراحل "أم فهد" التي وقفت إلى جانبه في أصعب الظروف.
كذلك شهدت المداخلات كلمة للملحق الثقافي المصري رئيس المكتب الثقافي محمد عبدالنبي قال فيها إن محمد الشارخ عبقرية عربية أثرت فينا بشكل ملحوظ بفكرها الواسع والعميق المتحدي الصعاب والمتطلع إلى الأفضل دائماً لخدمة طلاب العلم والباحثين في كافة أقطار الوطن العربي، فنذكره بكل فخر واعتزاز مقدرين جهده وإرثه العلمي الذي بات منارة للجميع.
"الشارخ أنتج المستقبل"
وقال الباحث والمفكر عبدالصمد الكباص إن الشارخ، لم يحاور الحاضر وإنما أنتج المستقبل، لافتاً إلى أنه "كان يتقن سبل تشكيل يومه كقصيدة. وكانت أروقة الرسامين ورشات التشكيليين مزارَه الحميم بالمدن".
بدوره، قال الكاتب المغربي حس اوزال إن الشارخ كان مهووساً بالأدب حدّ الجنون ومتورطاً في الفن حتى الثمالة، وأنه امتلك أكبر مكتبة سينمائية تحوي أعظم الأفلام العالمية ناهيك عن اقتنائه سلسلة من اللوحات الفنية النادرة لرسامين عرب وأجانب.
كما أشار إلى تمويله العديد من المشاريع الثقافية في الوطن العربي بدءا بمشروع "كتاب في جريدة" مع اليونسكو عام 1997 وصولا إلى مساهمته في دعم مركز دراسات الوحدة العربية والمنظمة العربية للترجمة.
وقدم الأكاديمي والكاتب السعودي د. سليمان الذييب أربعة مقترحات لتخليد اسم الراحل وهي: تسمية أحد شوارع الكويت باسمه، وتبني جامعة الكويت تسمية كلية الحاسب الآلي أو قسم أكاديمي في الكلية أو قاعة كبرى باسمه، و إنشاء متحف يحكي قصة مشروعه والمراحل التي مر بها، بالإضافة إلى إقامة جامعة الكويت أو الجهات الثقافية مؤتمراً علمياً عن هذه التجربة.