في خطوة تعكس قوة واستقرار المركز المالي للمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA)، أكدت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية (JCR) تصنيفها الائتماني طويل الأجل للمصرف عند مستوى "AAA"، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
50 عاماً من التميز
يعد المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، مصرف تنمية متعدد الأطراف تم تأسيسه بمبادرة من الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية عام 1974، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية في الدول الأفريقية غير العربية. ويحتفل المصرف هذا العام بمرور خمسين عاماً على تأسيسه، محققاً إنجازات بارزة رغم التحديات الكبيرة التي واجهها، مثل نقل مقره الرئيسي من السودان إلى المملكة العربية السعودية وتوسيع نطاق خدماته. إذ استطاع المصرف الحفاظ على دوره الريادي والمستدام في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا، معززاً شراكاته الإقليمية والدولية، ومساهماً بفاعلية في تحقيق الاستقرار والنمو في القارة السمراء.
ويركز المصرف على ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في تمويل مشاريع التنمية في أفريقيا، تحفيز استثمارات رأس المال العربي في القارة، وتقديم المساعدة الفنية اللازمة لدعم التنمية المستدامة في الدول الأفريقية. ويستند التصنيف الائتماني للمصرف على الدعم القوي والموثوق الذي يتلقاه من الدول العربية المساهمة فيه، فضلاً عن الدور الريادي الذي يلعبه في تنسيق وتوجيه الدعم العربي نحو أفريقيا. يعكس هذا التصنيف مكانة BADEA المرموقة كشريك مالي موثوق به، وذلك بفضل هيكله المالي القوي وسيولته المرتفعة. وبناءً على هذه العوامل، تظل التوقعات بشأن التصنيف الائتماني للمصرف مستقرة، مما يعزز من ثقته في الاستمرار في تحقيق أهدافه التنموية في أفريقيا.
هذا ويواصل المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا تنفيذ برامج التعاون الإنمائي للدول الأفريقية ضمن إطار خطته الاستراتيجية طويلة الأجل "بادية 2030"، التي تم صياغتها في عام 2019، بالإضافة إلى خطة السنوات الخمس الثامنة (2020-2024). ويتميز المصرف بدوره الريادي في تنسيق وتوجيه المساعدات العربية لأفريقيا من خلال "مجموعة التنسيق العربية (ACG)"، التي تضم 10 مؤسسات تمويل تنمية عربية تتعاون معاً لتحسين تخصيص الموارد وتوجيهها بشكل أكثر فعالية لتحقيق التنمية المستدامة في القارة.
وفي هذا السياق، ترى وكالة التصنيف الائتماني اليابانية (JCR) أن المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، رغم المخاطر التي قد تنشأ بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي في بعض الدول الأفريقية التي يتعامل معها، سيتمكن من الحفاظ على قوته المالية واستقرار قاعدة أصوله الائتمانية. يساهم الدعم المالي القوي من المساهمين العرب، بالإضافة إلى الأرباح المرتفعة التي يحققها المصرف، في تعزيز متانته المالية وقدرته على التكيف مع تقلبات الأسواق.
شريك موثوق للتنمية
يضم المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا 18 دولة عضواً، ويتميز بأن الدول المقترضة ليست من بين المساهمين فيه، مما يعزز استقلاليته وتركيزه الكامل على دعم التنمية في القارة. وحتى نهاية عام 2023، كانت المملكة العربية السعودية هي أكبر المساهمين بحصة تبلغ 25.7 في المئة، في حين بلغت نسبة مساهمة دول الخليج ذات الدخل المرتفع مجتمعة 62.1 في المئة من إجمالي رأس مال المصرف.
وقد حددت وثيقة تأسيس المصرف العمليات الرئيسية له على النحو التالي: (1) تمويل التنمية في الدول الأفريقية غير العربية، (2) تحفيز مساهمة رأس المال العربي في التنمية الأفريقية، و(3) توفير التعاون الفني اللازم لدعم المشاريع التنموية في أفريقيا. وتم إضافة ركيزتين جديدتين في تعديل وثيقة التأسيس لعام 2024، هما: (4) دعم تطوير مؤسسات القطاع الخاص في الدول الأفريقية، و(5) توفير التمويل لتعزيز التجارة العربية الأفريقية والتجارة البينية داخل القارة.
وكحال العديد من مؤسسات التمويل الدولية، تتضمن وثيقة تأسيس المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا أحكاماً هامة بشأن الحصانات والامتيازات الممنوحة له كمنظمة دولية، بما في ذلك الحصانة من مصادرة الأصول والضرائب، والقيود القانونية وغيرها من التدابير داخل الدول الأعضاء، فضلاً عن حصانة الموظفين من الدعاوى القضائية وحماية الاتصالات.
وتستند خطة المصرف الطويلة الأجل "باديا 2030" إلى أربع ركائز استراتيجية رئيسية: (1) تعزيز الاستثمار في البنية التحتية لدفع عجلة النمو الشامل، (2) تطوير سلاسل القيمة الزراعية لدعم الأمن الغذائي والاستدامة، (3) تحفيز التجارة وتنمية القطاع الخاص لخلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي، و(4) دعم تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي المحلي.
BADEA يدعم أجندة أفريقيا 2063
يلتزم مصرف التنمية العربي للبلدان الأفريقية بتطبيق استراتيجيته "باديا 2030" بالتنسيق مع "أجندة الاتحاد الأفريقي 2063"، وهي رؤية استراتيجية طويلة الأجل وضعتها قمة الاتحاد الأفريقي في 2013 لتعزيز تقدم وتطوير القارة الأفريقية بشكل شامل. وفي إطار تحفيز التجارة، يقدم المصرف قروضاً ومساعدات تقنية تهدف إلى دعم وتعزيز التجارة البينية الأفريقية بما يتماشى مع اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، سعياً لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة.
ويتمتع المصرف الأفريقية بدعم قوي ومستدام من المساهمين العرب على مر السنين، وهو ما يظهر بوضوح من خلال الزيادات المستمرة في رأسماله. ففي عام 2022، تم تنفيذ آخر زيادة في رأس المال بقيمة 800 مليون دولار أمريكي، تم تمويلها من خلال تحويل أموال من الاحتياطيات. وفي نهاية عام 2023، بلغ رأس المال المصرح به للمصرف 20 مليار دولار أميركي، يتكون من 10 مليارات دولار أميركي من رأس المال المكتتب، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار أميركي لكل من رأس المال المدفوع ورأس المال القابل للدعوة.
كما ويتميز المصرف بنهج فريد حيث لا يدفع أرباحاً لمساهميه، بل يقوم بتجميع جميع أرباحه كاحتياطيات وإضافتها إلى رأس ماله، مما يعزز قوته المالية وقدرته على الاستمرار في دعم مشروعات التنمية. وبلغ رأس المال المدفوع بما في ذلك الاحتياطيات 5.6 مليار دولار أمريكي. وفيما يتعلق بالاستثمارات، بلغ إجمالي القروض والاستثمارات، بما في ذلك القروض للقطاع العام وتمويل التجارة والمشاركات في المؤسسات الأفريقية، 3.22 مليار دولار أميركي، ما يعادل 53.9 في المئة من إجمالي الأصول البالغة 5.97 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2023. كما بلغت إجمالي النقدية والاستثمارات 2.55 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 42.7 في المئة من إجمالي الأصول.
استراتيجية مالية مستدامة
من جهة أخرى، تم توجيه نحو 90 في المئة من القروض المقدمة من مصرف التنمية العربي للبلدان الأفريقية إلى الدول ذات التصنيف الائتماني "B" أو أقل، في حين تم استثمار الأموال المتاحة في سندات ذات تصنيف " A" أو أعلى من خلال شركات إدارة الأصول المرموقة في أوروبا والولايات المتحدة. ووفقاً لاستراتيجية المصرف، يُعرّف المبلغ المجمّع لرأس المال، الذي يبلغ 5.6 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى 20 في المئة من رأس المال القابل للدعوة الذي تعهد به المساهمون المصنفون "AA " أو أعلى، باعتباره "رأس المال القابل للاستخدام".
وقد اعتمد المصرف سياسة مالية دقيقة تهدف إلى السيطرة على متوسط الأصول المرجحة بالمخاطر ضمن الاحتياطي القابل للاستخدام، مما يضمن استدامة الأداء المالي وتقليل المخاطر.إذ بلغ متوسط الأصول المرجحة بالمخاطر 6.32 مليار دولار أميركي، في حين بلغ الاحتياطي القابل للاستخدام 6.56 مليار دولار أميركي.
وإلى جانب ذلك، يتمتع المصرف بسجل حافل في سداد الديون، حيث يُعتبر دائناً مفضلاً ولم يضطر إلى إعفاء أي قروض منذ تأسيسه. وعلى الرغم من أن نسبة القروض المتعثرة، قد ارتفعت إلى نحو 10 في المئة في عام 2016، إلا أنها تراجعت بشكل كبير لتصل إلى 0.5 في المئة فقط في نهاية عام 2023، مما يعكس تحسناً كبيراً في جودة محفظته الائتمانية وفاعلية استراتيجياته في إدارة المخاطر.
وبينما لا يسعى مصرف (BADEA) لتحقيق الربح شأنه شأن سائر المؤسسات المالية الدولية الأخرى، فإنه نجح في تحقيق أرباح مستدامة بفضل العوائد القوية من الإقراض وعوائد الاستثمار من سيولته الكبيرة. ورغم تسجيله عجزاً قدره 188 مليون دولار أمريكي في عام 2022 نتيجة لخسائر في تقييم استثماراته، فقد استطاع استعادة الربحية في العام التالي. ففي عام 2023، حقق فائضاً تشغيلياً قدره 292 مليون دولار أمريكي، كما حقق 101 مليون دولار أمريكي للنصف الأول من عام 2024. وواصل لمصرف الحفاظ على سيولة وفيرة، حيث بلغت النقدية واستثمارات الخزانة السائلة الأخرى 43 في المئة من إجمالي أصوله في نهاية عام 2023.
قاعدة تمويلية موسعة
اعتباراً من نهاية عام 2022، لم يكن لدى المصرف أي ديون قائمة، ومع ذلك، قرر البدء ببرنامج اقتراض باليورو في إطار استراتيجيته لإدارة الأصول والخصوم، بهدف توفير قروض بالعملة الأوروبية الموحدة لدول منطقة الفرنك الأفريقي في غرب أفريقيا. وفي هذا السياق، أطلق المصرف في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 برنامج سندات دين دولية متوسطة الأجل، حيث أصدر أول سند يورو بقيمة 500 مليون يورو. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين الصادر إلى نحو 1.5 مليار يورو على المدى المتوسط.
وأكّدت وكالة التصنيف الائتماني اليابانية (JCR) أن هذا التوسع في الاقتراض لن يؤثر بشكل كبير على صافي المركز النقدي للمصرف، مؤكدة أن هيكل المصرف المالي سيظل قوياً ومستقراً، دون حدوث تغييرات جوهرية نتيجة لهذه القروض.