بقلم د. وسام صافي، عميد متقاعد في الجيش اللبناني
صدر القرار 1701في 11 آب عن مجلس الأمن الدولي بعد حرب تموز 2006 (حرب لبنان الثانية) بين إسرائيل وحزب الله، الذي تسبب في خسائر بشرية كبيرة ودمار واسع للبنية التحتية في لبنان، وأدى إلى نزوح عدد كبير من المدنيين, وذلك بهدف وقف الأعمال العدائية بين الجانبين وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها آنذاك، وانتشار الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية المعززة (اليونيفيل) في المنطقة الحدودية لضمان عدم استخدام الجنوب كمنطقة عمليات عسكرية. حيث يمتد نطاق عمليات هذه القوات من الناقورة على الساحل اللبناني وصولاً الى الخط الأزرق وهو الخط الحدود المؤقت بين لبنان وإسرائيل وهذا النطاق يشمل الحدود اللبنانية – الإسرائيلية بالكامل حتى المناطق المحاذية لمزارع شبعا.
يواجه تطبيق القرار 1701 في لبنان تحديات داخلية وخارجية متعددة، حيث تتداخل العوامل المحلية والإقليمية لتزيد من تعقيد مساعي الدولة اللبنانية في فرض سيطرتها وسيادة قراراتها، خاصة في المناطق الجنوبية. ويُمثل حزب الله المدعوم من إيران والتوترات مع إسرائيل والانقسام الداخلي تحديات رئيسية أمام انتشار الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والعسكرية.
التحديات الداخلية
1 وجود حزب الله المسلح
يحتفظ حزب الله بقدرات عسكرية وتنظيمية واسعة في الجنوب، ويستمر في السيطرة على مناطق استراتيجية رغم وجود القرار 1701 الذي ينص على حصر الانتشار العسكري بيد الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل الدولية. وان تواجد حزب الله في الجنوب يحد من قدرة الجيش اللبناني على فرض سيطرته الميدانية الكاملة، وهذا يعارض بنود القرار الدولي 1701 وان تطبيقه على الطريقة اللبنانية اسوةً بالقرارات السابقة.
2 الدعم الشعبي لحزب الله
يحظى حزب الله بتأييد شعبي واسع، خصوصاً في الجنوب، حيث يُنظر إليه كقوة دفاع أساسية ضد إسرائيل. هذا التأييد يعقّد مهمة الجيش اللبناني ويجعل من الصعب على الدولة فرض سيطرتها الكاملة في تلك المناطق دون إثارة حساسيات شعبية. ومن الواضح أن التغيير الذي حصل في البيئة الشيعية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حوّلها من خزان بشري داعم للأحزاب المنضوية في الحركة الوطنية إلى بيئة تؤمن بعقيدة “ولاية الفقيه” التي يلتزم بها حزب الله عقائدياً.
ومع ذلك، هناك جزء من الطائفة الشيعية يتمسك بالمفاهيم الليبرالية، وينظر بشكل مخالف إلى خيارات حزب الله، ولا يؤيد التوجهات العقائدية لولاية الفقيه. كما أن حركة أمل، برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، رغم تحالفها مع حزب الله في مقاومة إسرائيل، لديها تمايز في بعض المسائل السياسية، وقد عبرت عنه بوضوح عبر موافقتها على مقررات القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002 والتي صدر عنها مبادرة السلام العربية على اساس “الأرض مقابل السلام” مع دولة إسرائيل، والتي شكلت نقطة تحول في الموقف العربي الرسمي.
1- التوترات السياسية الداخلية
تتبنى بعض القوى السياسية اللبنانية مطلب نزع سلاح حزب الله كهدف استراتيجي تطبيقاً للقرار الدولي 1559 وبندود اتفاق الطائف ، مما يعمّق الانقسام الداخلي حول تنفيذ القرار 1701 ويضع هذا الانقسام الجيش اللبناني في موقع حساس، حيث يجد نفسه أمام تحديات سياسية تعرقل دوره كمؤسسة وطنية جامعة.
2- الجغرافية المعقدة
يتميز الجنوب اللبناني بتضاريس جبلية وواديان معقدة تصعّب الانتشار العسكري التام وتمنح أي قوى محلية ميزة تكتيكية تستطيع انشاء مواقع لها تتخفى فيها وتبسط ذراعها العسكري وتبني فيها منشآت عسكرية. كما ان النزاعات الحدودية، مثل منطقة مزارع شبعا، تزيد من تعقيد هذه التحديات وتشكل نقاط توتر مستمرة لكونها مسالة شائكة لم تحل ضمن القرار 1701 ولم يتم التوصل الى تثبيت ملكية لبنان لها.
التحديات الإقليمية
3- النفوذ الإيراني ودور حزب الله
تعتبر إيران حزب الله أحد أهم أدواتها لتعزيز نفوذها ومصالحها الإقليمية، خصوصاً في مواجهة إسرائيل، وتقديم الدعم العسكري والمالي للحفاظ على وجوده وقوته. ويسعى النفوذ الإيراني إلى منع الحكومة اللبنانية من بسط سيطرتها الكاملة في الجنوب، إذ أن ذلك قد يؤدي إلى تقليص حركة حزب الله وتقليل نفوذه، مما يُعد خسارة استراتيجية لإيران.
1-الضغوط العسكرية والأمنية الإسرائيلية
تنظر إسرائيل إلى وجود حزب الله في الجنوب كتهديد مباشر، وتقوم بعمليات برية، جوية واستخبارية متكررة للحد من نشاطه، مما يزيد من صعوبة تنفيذ القرار 1701. كما أن تواجد الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية في الجنوب دون تراجع حزب الله الى شمال نهر الليطاني قد يدفع إسرائيل إلى توجيه ضغوط دولية لعرقلة هذا الانتشار حفاظاً على الردع العسكري ضد حزب الله.
2-الانقسام العربي وضعف الدعم العربي
يعاني المشهد العربي من انقسامات حول دعم لبنان في مواجهة نفوذ حزب الله، إذ تفضل بعض الدول نزع سلاحه بالكامل، بينما تتخذ أخرى مواقف أقل حدة. ويتسبب غياب الدعم العربي الفعال في ترك لبنان عرضة للتدخلات الإقليمية، مما يحد من قدرته على تحقيق الاستقرار الأمني.
3-ضغوط القوى الكبرى الدولية
الولايات المتحدة والدول الأوروبية تدعم الجيش اللبناني، ولكن ضمن شروط معينة للحفاظ على التوازن الإقليمي. وفي مقابل هذا الدعم، تُفرض شروط تتطلب من لبنان التوفيق بين سيادته وتلبية مطالب المجتمع الدولي. روسيا والصين من جهتهما تعتبران أي تقليص لدور حزب الله تهديداً للمحور الإيراني الذي تدعمانه، مما يزيد من التعقيدات ويجعل تطبيق القرار 1701 تحدياً إقليمياً بين محاور غربية وشرقية.
4-التحديات الاقتصادية والاجتماعية
إن وجود دعم إيراني لحزب الله يجعل العديد من سكان الجنوب يعتمدون عليه لتلبية احتياجاتهم، ما يزيد من صعوبة كسب الدولة للتأييد الشعبي في الجنوب إذا لم يكن لديها الإمكانات المالية لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي مستدام.
هل يمكن تطبيق القرار 1701بعيداً عن القرارين 1559 و1680
يمكن تفعيل تطبيق القرار 1701 مع تنفيذ القرارين 1559 و1680 بشكل تدريجي من خلال مجموعة من التدابير المحددة، تبدأ بتعزيز قدرات الجيش اللبناني، الذي يتطلب دعماً من المجتمع الدولي عبر تقديم معدات متطورة، وتدريبه، وتقديم المساعدة اللوجستية لتمكينه من تنفيذ عمليات السيطرة بفعالية. كما أن دعم المؤسسات المدنية والتنموية عبر الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب قد يساهم في تقليص اعتماد السكان على حزب الله ويعزز حضور الدولة. إن وجود الدولة، ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً وإنسانياً، يمكن أن يقلل من التسامح الشعبي تجاه السلاح غير الشرعي.
يمكن أيضاً تعزيز التعاون بين الجيش اللبناني واليونيفيل، وتوثيق هذا التعاون لتعزيز الاستقرار ومنع الخروقات. هذا التنسيق قد يسهم في تسليط الضوء على دور الجيش اللبناني وتقليل فرص التصعيد العسكري. تحقيق توازن سياسي داخلي من خلال التوصل إلى تفاهم سياسي يُراعي مصالح جميع الأطراف اللبنانية قد يساعد في الحد من الاعتماد على السلاح غير الشرعي وتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها بشكل متزن ومستدام في الجنوب.
سبل مواجهة هذه التحديات
يجب أن يكون هناك توجّه لدعم الجيش اللبناني بعيداً عن الشروط السياسية، لتمكينه من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بفعالية وفرض سيادة الدولة. وعلى لبنان أن يسعى إلى الحياد والنأي عن الصراعات الإقليمية قدر الإمكان، مما يجنب البلاد أي تصعيد قد يعرقل تطبيق القرارات الدولية وبنود اتفاق الطائف ذات الصلة. يمكن للبنان أن يعمل على تعزيز التعاون مع الدول العربية المستعدة لدعم استقراره، مع تقديم مبادرات سياسية داخلية تهدف إلى تحقيق التوافق الوطني وتخفيف الضغوط الطائفية. ويجب العمل على إيجاد أرضية للتوافق السياسي الداخلي، مما يسمح بتحقيق مصالح جميع الأطراف اللبنانية ويقلل من الاعتماد على السلاح غير الشرعي، مما يعزز حضور الدولة في جميع المناطق، ولا سيما في الجنوب. كذلك، فإن الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية يساهم في تقليص الاعتماد الشعبي على حزب الله ويعزز حضور الدولة اللبنانية ليس فقط كقوة عسكرية، بل كحضور اقتصادي وإنساني شامل.
خاتمة
إن التحديات الإقليمية والداخلية التي تواجه تطبيق القرار 1701 تزيد من صعوبة فرض الدولة اللبنانية سيطرتها الكاملة على الجنوب، لكن من الممكن تجاوز هذه العقبات من خلال استراتيجية شاملة تعتمد على التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية، وتعزيز الدعم المحلي والاقتصادي، وتوفير حلول سياسية واقتصادية تقلل من الاعتماد على القوى الخارجية وتعزز من قدرة الدولة اللبنانية على تحقيق الاستقرار الدائم.
كما يتطلب تطبيق هذا القرار بنسخته الأممية، إعادة قرار السلم والحرب حصراً إلى الدولة اللبنانية، مع العودة إلى اتفاقية الهدنة عام 1949 بكافة بنودها، وهي ما تتطابق مع اتفاق الطائف الذي ينص على حصرية سلاح الدولة وحقها في اتخاذ القرارات السيادية، لا سيما في ما يتعلق بقرارات السلم والحرب والسياسة الدفاعية والخارجية.