الإقتصاد والأعمال: فرنسا
في ذكرى مرور مئة عام على افتتاح أول بعثة دبلوماسية مصرية في باريس، احتفلت مصر وفرنسا بقرن من الشراكة الاستراتيجية والتعاون المثمر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يبرز عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين. وتجسد هذه العلاقة المتميزة التنسيق المستمر بين القاهرة وباريس في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما يتجلى بوضوح من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة والمنتديات الاقتصادية الرفيعة المستوى. كان آخرها المنتدى الاقتصادي المصري الفرنسي في باريس ومارسيليا، الذي عُقد بهدف تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في البلدين، مع التركيز على مجالات الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والبنية التحتية، مما يعكس التزام البلدين بتطوير شراكة استراتيجية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وفي هذا الصدد، تم عقد لقاء مع سعادة السفير المصري في فرنسا، علاء يوسف، الذي استعرض العديد من الجوانب المهمة في العلاقات المصرية-الفرنسية.
علاقات تاريخية
احتفلت مصر وفرنسا هذا العام بمئوية افتتاح أول بعثة دبلوماسية مصرية في فرنسا عام 1924. كيف ترون طبيعة العلاقات بين القاهرة وباريس، وما هو حجم التنسيق بينهما تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؟
العلاقات المصرية الفرنسية تاريخية ومتشعبة في العديد من المجالات، ومهمة للبلدين على حد سواء، وتتمتع بتنامٍ مستمر على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها، سواء في الأطر الثنائية أو في المحافل الدولية متعددة الأطراف. أما على مستوى قيادة البلدين، فهناك تواصل منتظم وتنسيق دوري بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس إيمانيويل ماكرون إزاء مختلف القضايا الدولية والإقليمية، خاصة في إطار التقارب الكبير في وجهات النظر بين القاهرة وباريس تجاه هذه الملفات، والقائم على ضرورة إعطاء الأولوية للحلول السياسية لكافة القضايا، استنادًا إلى الدور الكبير الذي تضطلع به مصر وفرنسا لتثبيت ركائز الاستقرار في العالم.
المنتدى المصري الفرنسي
عُقد مؤخراً المنتدى الاقتصادي المصري الفرنسي في باريس ومارسيليا.. هل لك أن تطلعنا على طبيعة هذا المنتدى وأبرز مخرجاته؟
بالفعل، عُقد المنتدى يومي 30 أيلول/سبتمبر و1 تشرين الأول/أكتوبر 2024 في باريس ومارسيليا على التوالي، بحضور رسمي مصري وفرنسي رفيع، ومشاركة عدد كبير من ممثلي القطاع الخاص المصري والفرنسي، حيث افتتح أعمال المنتدى د. خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، والسيدة " Sophie Primas" وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية. وكان المنتدى أول فعالية تحضرها الوزيرة الفرنسية بعد توليها حقيبة التجارة الخارجية في الحكومة الحالية. وقد شهد المنتدى تأكيد الجانبين على الاهتمام البالغ الذي يوليانه لتعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما في مختلف المجالات، إلى جانب التعريف بالإمكانات الضخمة المتاحة في مصر أمام القطاع الخاص الفرنسي في العديد من المجالات، من بينها الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والبنية التحتية، والصحة. كما استعرض م. حسن الخطيب، خلال المنتدى، الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لتوفير المناخ المناسب والظروف اللازمة لنجاح مشروعات القطاع الخاص الأجنبي في مصر على نحو يحقق المنفعة المشتركة للطرفين. والجدير بالذكر أنه تم على هامش المنتدى توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة "بيزنس فرانس" والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر، فضلاً عن توقيع مذكرة أخرى بين الوكالة الفرنسية وشركة "السويدي إلكتريك"، وهي واحدة من كبرى الشركات المصرية العاملة في العديد من القطاعات المرتبطة بالبنية التحتية. وتهدف المذكرتان إلى تشجيع الاستثمار بين البلدين والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
التعاون الصحي
هل كان هناك فرصة لعقد لقاءات ثنائية للمسؤولين المصريين مع هيئات فرنسية حكومية أو شركات للقطاع الخاص؟
زيارة المسؤولين المصريين إلى فرنسا كانت مزدحمة بالعديد من اللقاءات مع القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء. فعلى سبيل المثال، تم عقد لقاء للسيد وزير الصحة والسكان مع مدير عام الوكالة الفرنسية للتنمية بهدف متابعة المشروعات المشتركة التي تنظمها الوكالة في مصر في مجالات دعم الرعاية الصحية والتعليم العالي والبحث العلمي، ولقاء آخر مع مؤسسة "جوستاف روسي" لعلاج الأورام في إطار الجهود الجارية لفتح فرع لها في مصر كأول فرع للمؤسسة خارج فرنسا، فضلاً عن لقاء مع شركة "سانوفي" لصناعة الأدوية. كما عقد السيد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية العديد من اللقاءات مع كبرى الشركات الفرنسية مثل "CGM-CMA" في إطار مشروعاتها القائمة في مصر، وكذلك تلك التي تعتزم الدخول إلى السوق المصرية. كما تم عقد لقاء مع عدد كبير من كبرى الشركات الفرنسية في مقر مجلس أرباب الأعمال الفرنسي "MEDEF" لاستعراض الفرص المتاحة أمام تلك الشركات في مصر في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، خاصة في المنطقة الاقتصادية في قناة السويس. وقد استعرض كل من السيد وليد جمال الدين رئيس المنطقة، والسيد حسام هيبة رئيس الهيئة العامة للاستثمار، تفصيلياً الفرص التي يمكن للقطاع الخاص الفرنسي الانخراط فيها، وكذلك الإجراءات والتسهيلات المختلفة االتي تقدمها الحكومة المصرية للمستثمرين الأجانب في تلك المنطقة.
منطقة قناة السويس
وماذا عن التواجد الفرنسي في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس؟
تُولي الشركات الفرنسية الكبرى اهتماماً خاصاً بالاستثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لما تتيحه من مزايا استثمارية وحوافز تسمح بإيجاد مناخ جاذب للأعمال. ويولي القطاع الخاص الفرنسي في الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً بتعزيز استثماراته في قطاعات غير تقليدية لم تكن مستهدفة من قبل، وعلى رأسها قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر للاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها مصر. وعلى سبيل المثال، قام تحالف يضم شركة " EDF Renewables " والصندوق السيادي المصري بالتوقيع عام 2022 على اتفاق مع الهيئة العامة لمنطقة قناة السويس لإنتاج 350 ألف طن من الطاقة الخضراء سنوياً في العين السخنة، بحجم استثمارات يبلغ 3 مليارات دولار. كما قام تحالف يضم شركة "Total" الفرنسية وشركة "إنارة كابيتال" بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والصندوق السيادي والشركة المصرية لنقل الكهرباء لإقامة مشروع تجريبي في العين السخنة لإنتاج 300 ألف طن سنويًا من الأمونيا باستخدام الهيدروجين الأخضر، وغيرها من المشروعات الضخمة أيضاً. كما يواصل الجانب المصري جهوده الرامية إلى إتاحة مصادر الطاقة النظيفة للشركات العاملة في هذه المنطقة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو نجاح شركة " Saint Gobain " الفرنسية في إنشاء خط إنتاج ثالث لتصنيع الزجاج يعمل بالطاقة الشمسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
الطاقة المتجدد والهيدروجين الأخضر
تولي مصر أهمية خاصة لقطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ما هي أبرز الخطط المصرية في هذا الشأن، كما نود أن نتعرف على مدى انخراط الشركات الفرنسية في تلك المشروعات؟
- تبذل مصر جهوداً كبيرة لتسريع التحول في مجال الطاقة، وتحقيق أهدافها المتمثلة في الوصول بنسبة الطاقة المتجددة إلى 42 في المئة من مزيج الطاقة بحلول عام 2030. كما أن مصر تمتلك مساحات كبيرة غير مأهولة بالسكان لإقامة مشروعات الطاقة عليها، فضلاً عن امتلاكها لمقومات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على حد سواء، وهي الميزة التي لا تتوافر إلا لعدد محدود من دول العالم، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر ويرفع من الجدوى الاقتصادية لمشروعات الطاقة، إضافة إلى إمكانية إنتاج وحدات الطاقة الشمسية على منصات عائمة في البحر الأحمر.
وعلاوة على ذلك، كانت الطاقة النظيفة هي المحور الرئيسي للاتفاقيات التي تم التوقيع عليها خلال مؤتمر الاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو 2024، من بينها اتفاقية تعاون لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في منطقة رأس شقير بقيمة 7 مليار يورو مع تحالف يضم شركة " EDF Renewables " الفرنسية وشركة " Zero Waste " المصرية الإماراتية، بالإضافة إلى مشروع آخر بقيمة 3.4 مليار يورو مع شركة "فولتاليا" الفرنسية لإنتاج الأمونيا الخضراء في ميناء العين السخنة.
وما يعزز من ذلك هو أن البنية التشريعية في مصر جاهزة للبدء في تنفيذ تلك المشروعات، فضلاً عن توافر الأراضي اللازمة وكذلك اللوجستيات المرتبطة بها، خاصة مع إطلاق قانون حوافز مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في يناير/كانون الثاني 2024. كما أن مصر ترحب بتشارك العديد من الكيانات الاقتصادية في المشروعات الخاصة بالهيدروجين، بما يُخفض من تكلفته، وتعمل في الوقت الحالي على إنشاء المرافق الخاصة بمحطات إنتاج ونقل الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
والجدير بالذكر أنه تم منذ أيام قليلة التوقيع على مذكرة تفاهم بين تحالف "فولتاليا/ طاقة عربية" والحكومة المصرية لبدء الدراسات الفنية الخاصة بمشروع إنتاج الكهرباء في منطقة الزعفرانة من طاقة الرياح بقدرة 1.1 جيجاوات وبقدرة 2.1 من الطاقة الشمسية، وهو المشروع الأول من نوعه في مصر الذي يدمج بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في ذات الوقت.
معرض SIAL
استضافت العاصمة باريس الشهر الماضي المعرض الدولي للصناعات الغذائية"SIAL"، وهو أحد أكبر المعارض الدولية المتخصصة في هذا المجال. كيف جاءت المشاركة المصرية فيه؟
- شارك في المعرض 151 شركة مصرية تمثل غالبية القطاعات الغذائية مثل المجمدات والحبوب والبقوليات والألبان ومشتقاتها، فضلاً عن التمور وغيرها، مع زيادة كبيرة في عدد الشركات المصرية مقارنةً بنسخة عام 2022. وقد سررت بتفقد الأجنحة المصرية المشاركة في المعرض وكنت شاهداً على الإشادات المختلفة من جانب الحاضرين بالجودة العالية للمنتجات المصرية، مما يعزز تنافسيتها بشكل كبير في السوقين الفرنسية والأوروبية. وكان أبرز قصص النجاح التي شهدتها نسخة المعرض هذا العام هو نجاح السفارة في تمكين أحد المصدرين المصريين للخضروات والفاكهة من إيصال حصيلة صادراته إلى فرنسا خلال عامين فقط إلى 1.2 مليون يورو شهرياً، ويعمل على زيادتها خلال الفترة المقبلة.