يواجه نحو ثلث سكان لبنان انعداماً حاداً في الأمن الغذائي نتيجة تصاعد الصراع في أواخر عام 2024، حيث أسفرت الأعمال العدائية عن تدمير واسع النطاق للقطاع الزراعي والاقتصاد الوطني، مما جعل عملية التعافي بطيئة ومعقدة، وفقاً لتقييم جديد حول الأمن الغذائي في البلاد. جاء هذا الإعلان في بيان مشترك صادر عن وزارة الزراعة، بالتعاون مع "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" (الفاو) و"برنامج الأغذية العالمي"، حيث أشار إلى التأثيرات العميقة التي خلفتها الحرب على استدامة الأمن الغذائي في لبنان.
ووفقاً لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، يعاني نحو 1.65 مليون شخص في لبنان يعانون حالياً من مستويات الأزمة أو الطوارئ في انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 3 أو أعلى من التصنيف)، مقارنة بـ 1.26 مليون شخص قبل التصعيد. وفي الوقت نفسه، يواجه نحو 201,000 شخص مستويات الطوارئ (المرحلة 4 من التصنيف)، أي ضعف العدد المسجل قبل التصعيد.
الصراع عرقل الاقتصاد
التقرير أكد أن الصراع قد أدى إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وسبل العيش في جميع القطاعات، مشيراً إلى أن الأسواق لا تزال تكافح للتعافي رغم وقف إطلاق النار في تشرين الثاني. وأوضح التقرير أن هذا التراجع الحاد يعمق الأزمة الاقتصادية التي طال أمدها، حيث انكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة 34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ عام 2019، في وقت يواجه الركود الاستثماري تحديات إضافية.
وأشار البيان إلى أن سوء التغذية لا يزال يشكل خطراً كبيراً في لبنان، خاصة بين الأطفال والمراهقين والنساء، لافتاً إلى أن دراسة حديثة أظهرت أن ثلاثة من كل أربعة أطفال دون سن الخامسة يتبعون أنظمة غذائية تفتقر إلى التنوع، مما يجعلهم عرضة للتقزم والهزال.
وفيما يتعلق بالمساعدات، قدّم "برنامج الأغذية العالمي" في عام 2024 مساعدات غذائية لـ 750,000 شخص نزحوا بسبب القتال، شملت وجبات ساخنة وإمدادات غذائية ومساعدات نقدية للأشخاص في الملاجئ والمجتمعات في مختلف أنحاء لبنان. كما يخطط البرنامج هذا العام لتوسيع نطاق مساعداته لتشمل 2.5 مليون شخص، بما في ذلك حوالي 900,000 لاجئ سوري في لبنان.
تفاقم الأمن الغذائي: واقع مؤلم
لفت ممثل "برنامج الأغذية العالمي" في لبنان، ماثيو هولينغورث، إلى أن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في لبنان «ليس مفاجئاً»، مشيراً إلى أن "66 يوماً من الحرب، تخللتها أشهر من الصراع، أدت إلى تدمير الأرواح وسبل العيش". وأضاف هولينغورث أن بعض الأشخاص قد يتمكنون من العودة إلى منازلهم بعد وقف إطلاق النار، بينما يواجه آخرون واقعاً قاسياً يتمثل في عدم وجود منزل يعودون إليه. واعتبر أن مهمة البرنامج "في هذا الوقت الحرج" تتمثل في دعم الحكومة والشعب اللبناني لإعادة بناء حياتهم وأنظمتهم الغذائية. كما توقع التقرير "استمرار حالة انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، دون عودة قصيرة الأمد إلى الظروف التي كانت قبل الأزمة".
الزراعة والأمن الغذائي في خطر
وأشارت ممثلة "منظمة الأغذية والزراعة" في لبنان بالإنابة، فيرونيكا كواترولا، إلى أن الأعمال العدائية قد أثرت بشكل كبير على سبل عيش المزارعين، وكذلك على الأصول الزراعية والبنية التحتية، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتهديد استدامة الأنشطة الزراعية. وأكدت كواترولا التزام المنظمة بمساعدة المزارعين على استئناف الإنتاج ودعم المجتمعات في عملية إعادة البناء، بالإضافة إلى تعزيز قدرتهم على الصمود.
وأشار التقرير إلى أن اللاجئين في لبنان يعدون من الفئات الأكثر عرضة للخطر، حيث يُصنف حوالي 594,000 لاجئ سوري (40 في المئة من اللاجئين السوريين) و89,000 لاجئ فلسطيني (40 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين) في المرحلة 3 (أزمة) أو أعلى. كما أن نحو 970,000 مواطن لبناني (نحو 25 في المئة من السكان) يعانون من نفس الفئة.
إعادة تأهيل القطاع الزراعي
من جهته، شدّد وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحاج حسن، على أهمية عملية مسح الأضرار الزراعية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية، موضحاً أن "الهدف الاستراتيجي للمشروع هو تقديم تعويضات للمزارعين المتضررين". وأضاف الوزير: "تتمثل أولويتنا في تأمين التمويل اللازم لتعويض الأضرار، وسنواصل العمل بكل جهد لتحقيق هذا الهدف الهام خلال الفترة المقبلة". وأكد الحاج حسن "التزام الوزارة الثابت بتحقيق التنمية المستدامة في القطاع الزراعي، والعمل بشكل متواصل مع كافة الشركاء المحليين والدوليين لتجاوز التحديات التي يواجهها لبنان".
واختتم البيان المشترك بالإشارة إلى أنه "قبل تصعيد الصراع، كان 23 في المئة من السكان (من لبنانيين وسوريين ولاجئين فلسطينيين) مصنفين في المرحلة 3 أو أعلى من التصنيف المرحلي المتكامل (نيسان – أيلول 2024)، حيث بلغ إجمالي الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد 1.26 مليون شخص.