يشغل الذكاء الاصطناعي مساحة واسعة في نقاشات الرأي العام حول العالم حيث لا يقتصر الحديث على منافسة الشركات في سباق الابتكار بل يطرح أيضاً قضايا أخلاقية مرتبطة بإستخدامه. وفي هذا السياق، قالت عضو لجنة إعداد إرشادات حوكمة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في لبنان، البروفيسورة في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية أودين سلوم، في حديث مع الاقتصاد والأعمال، إن اللجنة تحضر لمؤتمر وطني لإطلاق إرشادات وضعتها وستعمل على تنفيذها مع الجهات الفاعلة بهدف بناء مجتمع متطور ومسؤول.
وأشارت سلوم إلى أن هذه اللجنة شكّلها عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية حبيب قزي وتضم مختصة بالأمور التقنية إلى جانب قانونيين يتابعون موضوع الذكاء الاصطناعي. وأضافت أن اللجنة تعمل منذ حوالي الستة أشهر حتى توصلت إلى وضع إرشادات تغطي دورة حياة الذكاء الاصطناعي وتشمل كافة المجالات.
الإرشادات مرحلة تحضيرية لقواعد شاملة
قالت سلوم إن الذكاء الاصطناعي يعتبر أحد أعمدة الثورة الصناعية الرابعة التي أدت إلى تطور تكنولوجي كبير وباتت التطبيقات الذكية تدخل في كافة مجالات الحياة دون استئذان. ولفتت إلى أن "الذكاء الاصطناعي يساهم من ناحية في خدمة البشرية ولكن من ناحية أخرى يولّد تداعيات أخلاقية سلبية كبيرة لم يعرفها المجتمع من قبل. وهذا ما جعل الحكومات حول العالم تشعر بالقلق وتحاول أن تضع له اطاراً اخلاقياً". كما شرحت أن "على الصعيد الدولي، بعض الدول لجأت إلى وضع تشريعات شاملة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي كالقانون الذي صدر في أوروبا بينما وضعت دول أخرى إرشادات لتنظيم هذه المسألة".
وإنطلاقاً من دور الجامعة اللبنانية الإستشاري والعلمي والقانوني، تابعت سلوم، أن كلية الحقوق أرادت المساهمة في هذا الاطار واختارت اللجنة "الذهاب نحو الاتجاه الأخير أي وضع إرشادات لأنها توفر درجة عالية من المرونة والتشجيع المستمر للتطور التكنولوجي. وهذه الإرشادات هي مرحلة تحضيرية لإصدار قواعد تنظيمية شاملة في ما بعد".
كما أوضحت أن "الإرشادات تشمل مقترحات على الصعيد الداخلي في القطاعين العام والخاص وكذلك على الصعيد الدولي. وتقترح اللجنة على الصعيد الداخلي، وضع استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي وكذلك، فكرت بآلية لمتابعة ورصد تنفيذ الإرشادات من خلال هيئة وطنية للذكاء الاصطناعي وقدمت تصوراً حول كيفية تشكيلها وأهدافها ومهامها وصلاحياتها".
وأكدت أن "الجميع يتجه نحو المجتمع الرقمي ومن المفترض أن تصل الدولة اللبنانية إلى هذه المرحلة لأن ذلك يساهم بمكافحة الفساد. ولكن، لا شك أن هناك مخاطر كبيرة وأنه يجب توفير أنظمة مسؤولة للحفاظ على البيانات وحمايتها بشكل جيد". وشددت على أن رقمنة الدولة تتطلب مسؤولية وتحديث لآليات الشفافية مع تكيفها بشكل دوري.
أما عن إهتمام اللجنة بالقطاع الخاص، فقالت إن ذلك يأتي بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية موضحة أن اللجنة حددت ضمن الإرشادات كيفية تبني الشركات خطة تدريجية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وصولاً لإعتمادها استراتيجية داخلية تعترف بفوائد الذكاء الاصطناعي وتحدد كيفية إدارة المخاطر بشكل فعّال وتقيّم الأداء من خلال تصميم أنظمة مراقبة وتقديم تقارير مباشرة ودورية، وتستند إلى آلية حوكمة داخلية لتنظيم المساءلة وتوزيع المسؤوليات.
المبادئ الأخلاقية
أوضحت سلوم أن سبب التطرق إلى الإطار الأخلاقي في الإرشادات يعود إلى أن "تأثير هذا الإطار أقوى من تأثير القوانين لأنه الأساس الذي يوجّه الضمير الإنساني ويحكم تصرفات الناس". وأشارت إلى أن "التنازل عن القدرة البشرية لصالح الذكاء الاصطناعي ممكن أن يفاقم المشاكل القائمة حالياً مع هذا الذكاء كانتهاك الخصوصية وإعطاء معلومات خاطئة وغيرها. وحماية الأفراد تتطلب تضافر عمل كل الجهات الفاعلة في هذا مجال."
وشرحت أنه بالنظر إلى مسار حياة الذكاء الاصطناعي، حددت اللجنة مبادئ أخلاقية أساسية: حماية الخصوصية والأمان الرقمي والمسؤولية والمساءلة والشفافية وقابلية التفسير والإنصاف وعدم التمييز ومبدأ الانسانية بالإضافة إلى النمو الشامل والتنمية المستدامة.
في التفاصيل، أكدت سلوم أن مبدأ الشفافية وقابلية التفسير من المبادئ الضرورية لتوفير الثقة بنظام الذكاء الاصطناعي بحيث يفترض أن نكون قادرين على تفسير كيفية اتخاذ القرار في هذا النظام. وشددت على ضرورة أن يدور هذا الذكاء حول احترام القيم الإنسانية كما أكدت أهمية مبدأ النمو الشامل والتنمية المستدامة بحيث مفترض أن يساهم الذكاء الاصطناعي بتعزيز الشمولية والمساواة الاجتماعية وعدم التمييز بين الافراد.
مؤتمر وطني لإطلاق الإرشادات
أشارت سلوم إلى أن "اللجنة تسعى لتطبيق هذه الإرشادات عبر مجموعة من المبادرات سواء الأكاديمية أم البحثية بهدف بناء مجتمع تكنولوجي مسؤول ومتطور".
ولفتت إلى أن "الجامعة اللبنانية في كلية الحقوق تدرّس مادة "الأمن السيبراني" وأعتقد أنها كانت رائدة في لبنان في إدخال مادة "حوكمة الذكاء الاصطناعي" ضمن مناهجها بهدف تربية القانونيين على موضوع الذكاء الاصطناعي."
أما عن خطوات اللجنة المقبلة، فقالت: "قدمنا هذه الإرشادات لرئيس الجامعة اللبنانية بروفيسور بسام بدران وبارك الخطوة التي قمنا بها وتحدثنا معه عن خارطة الطريق التي سنسير عليها. فنحن بصدد التحضير لمؤتمر وطني كبير بإشراف البروفيسور بدران لإطلاق هذه الإرشادات وتفسيرها وبيان أهميتها. سنقدم توصيات ونتابع تنفيذها ولن نتوقف عند هذا الحد لأننا نشعر بأهمية الذكاء الاصطناعي وخطورته في الوقت عينه وضرورة تنظيمه".
وأكدت أن اللجنة "تتطلع إلى العمل المستمر لوضع هذه الإرشادات قيد التنفيذ سواء من قبل الحكومة أو من قبل السلطة التشريعية من خلال تعديل القوانين أو إصدار قوانين جديدة في هذا الإطار لضمان تأثير إيجابي طويل المدى في الإدارات وفي الميادين الاقتصادية والتربوية والأكاديمية وفي المجتمع ككل".