قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" بتخفيض طفيف لتوقعاتها للنمو العالمي لعام 2025، وذلك نتيجة لتراجع آفاق النمو في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. وأوضحت المنظمة أن التوترات التجارية التي نشأت مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، بالإضافة إلى التوترات السياسية والجيوسياسية في العديد من دول العالم، تلقي بظلالها على التوقعات الاقتصادية العالمية. هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تأثيرات سلبية على مسار الانتعاش الاقتصادي في مختلف الأسواق العالمية. وفي هذا السياق، توقعت المنظمة أن يحقق إجمالي الناتج المحلي العالمي نمواً نسبته 3.1 في المئة خلال السنة الحالية، بانخفاض قدره 0.2 في المئة عن توقعاتها السابقة التي نشرتها في كانون الأول/ديسمبر.
آفاق اقتصادية متراجعة
المنظمة أشارت إلى أن نمو الناتج العالمي في 2024 كان قويًا، لكنه بدأ يشهد تراجعًا في آفاقه مع تدهور معنويات الأعمال والمستهلكين وتصاعد الغموض الاقتصادي. وبتفاصيل الأرقام، من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 3.2 في المئة في 2024 إلى 3.1 في المئة في 2025 و3.0 في المئة في 2026، بسبب تزايد الحواجز التجارية في العديد من اقتصادات مجموعة العشرين وزيادة عدم اليقين الجيوسياسي والسياسي الذي يؤثر على الاستثمار وإنفاق الأسر. أما في الولايات المتحدة، فرجّحت المنظمة أن يتباطأ النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي من 2.2 في المئة في 2025 إلى 1.6 في المئة في 2026. في المقابل، تشير التوقعات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 1.0 في المئة في 2025 و1.2 في المئة في 2026، مع استمرار انخفاض النمو بسبب عدم اليقين المتزايد. وبالنسبة للصين، من المرجح أن يتباطأ نموها من 4.8 في المئة هذا العام إلى 4.4 في المئة في 2026.
مخاطر التجارة والتضخم
من جهة أخرى، شهدت سياسات التجارة تغييرات كبيرة قد تؤثر سلبًا على النمو العالمي وتزيد من الضغوط التضخمية إذا استمرت على نفس الوتيرة. يظل التضخم يشكل تحديًا في العديد من الاقتصادات، حيث يبقى مرتفعًا في قطاع الخدمات بسبب أسواق العمل الضيقة، بينما بدأ التضخم في السلع في الارتفاع بعد أن كان عند مستويات منخفضة جدًا. من المتوقع أن يكون التضخم أعلى من التوقعات السابقة، رغم تراجعه مع تباطؤ النمو الاقتصادي. من المنتظر أن ينخفض التضخم العام في اقتصادات مجموعة العشرين من 3.8 في المئة في 2025 إلى 3.2 في المئة في 2026. كما يُتوقع أن يظل التضخم الأساسي فوق أهداف البنوك المركزية في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، في 2026.
وتعتمد توقعات المنظمة على افتراض أن الرسوم الجمركية الثنائية بين كندا والولايات المتحدة، وكذلك بين المكسيك والولايات المتحدة، سترتفع بنسبة 25 نقطة مئوية إضافية على معظم واردات السلع اعتبارًا من نيسان/أبريل. في حال كانت الزيادات في الرسوم الجمركية أقل أو مقتصرة على نطاق أصغر من السلع، سيشهد النشاط الاقتصادي تحسنًا والتضخم انخفاضًا في هذه الاقتصادات الثلاثة، إلا أن النمو العالمي سيظل أضعف من التوقعات السابقة.
وبحسب المنظمة، لا تزال هناك مخاطر كبيرة تهدد النمو العالمي، حيث يُعد تفكك الاقتصاد العالمي مصدر قلق رئيسي. إذ إن زيادة الرسوم الجمركية بشكل أوسع وأعلى قد تؤثر سلبًا على النمو العالمي وتفاقم التضخم. كما أن التضخم الذي يتجاوز التوقعات قد يفرض تبني سياسات نقدية أكثر تقييدًا، مما يترتب عليه اضطراب في الأسواق المالية. من جهة أخرى، قد تساهم بيئة سياسية أكثر استقرارًا في تقليل حالة عدم اليقين، في حين أن الاتفاقات التي تهدف إلى خفض الرسوم الجمركية والإصلاحات الهيكلية الطموحة من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، يمكن للإنفاق الحكومي المرتفع على الدفاع أن يدعم النمو على المدى القصير، ولكنه قد يضيف إلى الضغوط المالية على المدى الطويل.
مرحلة التعاون والإصلاح
في ظل هذه المخاطر، يتعين على البنوك المركزية أن تظل يقظة تجاه زيادة تكاليف التجارة التي قد ترفع ضغوط الأجور والأسعار. وأكدت المنظمة في هذا السياق ضرورة استمرار الاقتصادات التي يُتوقع أن يتباطأ فيها التضخم الأساسي أو يبقى منخفضًا في خفض أسعار الفائدة، مع الحفاظ على توقعات ثابتة للتضخم وتجنب تصاعد التوترات التجارية.
على الصعيد المالي، أشارت المنظمة إلى أهمية الحفاظ على الانضباط المالي لضمان استدامة الديون وتمكين الحكومات من التعامل مع الصدمات المستقبلية، بالإضافة إلى تلبية ضغوط الإنفاق الحالية والمستقبلية. وفي هذا السياق، أكدت المنظمة ضرورة تعاون الدول معًا لمعالجة قضاياها ضمن النظام التجاري العالمي، مما سيسهم في تحسين مستوى المعيشة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ربط هذه التدابير بالجهود الرامية إلى تعزيز مرونة سلاسل الإمداد وتشجيع التنويع في الموردين والمشترين، حيث يمكن لتخفيض الحواجز الجمركية أن يعزز الإنتاجية ويقلل التضخم العالمي.
في المقابل، فإن تصاعد الحماية التجارية وعدم اليقين الجيوسياسي يستدعي تنفيذ إصلاحات هيكلية لضمان أسواق محلية صحية. تشمل هذه الإصلاحات تقليص الأعباء التنظيمية على الشركات، كما توجد فرصة لتقليص الحواجز التنظيمية بين السلطات المحلية داخل الدول، مما يسهم في تحسين تخصيص الموارد وزيادة الإنتاجية.
في سياق آخر، ذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الإنتاجية. ويمكن للحكومات دعم هذا التحول من خلال ضمان توفير بنية تحتية رقمية عالية السرعة، والحفاظ على أسواق مفتوحة ومنافسة، بالإضافة إلى توفير الفرص للعمال لتطوير مهاراتهم الرقمية. سيسهم ذلك في تعزيز قدرتهم على التكيف مع التغيرات التكنولوجية ويعزز النمو المستدام.