القاهرة محمود عبد العظيم
جاءت تصريحات رئيس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي مؤخراً بشأن صفقة بيع بنك القاهرة لتفتح المجال أمام سيناريوهات متعددة لإتمام الصفقة أو حتى التراجع عنها في حال ظهور تقييم غير عادل للبنك.
فقد أكد رئيس الوزراء المصري أن ما يثار حول الإتفاق على بيع بنك القاهرة لبنك الإمارات دبي بمبلغ مليار دولار كلام ينقصه الدقة حيث أن ما تم لا يتعدى موافقة البنك المركزي المصري لبنك الإمارات دبي على القيام بعملية الفحص النافي للجهالة تمهيداً لتقديم عرض شراء – لم تحدد قيمته بعد – وأنه في مقابل هذه الخطوة بادرت الحكومة المصرية بتكليف استشاري – تحالف يضم شركات تقييم مصرية ومكتب دولي – بالقيام بعملية تقييم شاملة لأصول البنك للوصول إلى قيمة عادلة وبناء على ذلك التقييم سوف تتخذ الحكومة قرارها إما ببيع البنك صفقة واحدة - حال تلقى عرض شراء مناسب للتقييم - أو طرح حصة منه في بورصة القاهرة وطرح حصة حاكمة لمستثمر رئيسي .
وجاءت تصريحات مدبولي لتوقف حالة من الجدل الساخن الذي اجتاح المجتمع المصري ودوائر الأعمال والأوساط المصرفية في الأسابيع الماضية حول جدوى بيع بنك القاهرة بمبلغ يراه كثيرون متدنياً للغاية وأن عمليه البيع لبنك الإمارات دبي تغيب عنها الشفافية وأنها ربما تتم بالأمر المباشر إلى جانب إبداء بعض الخبراء مخاوفهم من عملية تركيز ملكية تتم في القطاع المصرفي لصالح البنوك الإماراتية لاسيما وأن هذه البنوك تتملك حالياً خمسة وحدات مصرفية في السوق المصرية وتمثل حصة تدور حول 6 في المئة من إجمالي السوق الذي يضم قرابة 65 مليون حساب مصرفى ونحو 13,5 تريليون جنية قاعدة إيداعات عائلية ومملوكة لشركات.
تقييم غير عادل
هذا الجدل الذي حدث رغم أن بنك القاهرة كان مدرجاً ضمن خطة الطروحات الحكومية منذ توقيع الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي إلى جانب المصرف المتحد وشركات عامة أخرى لعب دوراً في اتخاذ خطوه شجاعة من جانب الحكومة المصرية بإعادة تقييم البنك على أسس أكثر احترافية وشفافية وهو الأمر الذي يعد في صالح الحكومة في النهاية لاسيما وأن الحكومة كانت قد تلقت عروضاً عديدة في فترات سابقة لشراء البنك بنحو الملياري دولار في العام 2008 وهو عرض كان قد تقدم به البنك الأهلي اليوناني – الذي كان يتواجد في السوق المصرية بقوة في ذلك الحين – إلا أن موجة معارضة من الرأي العام وبعض مؤسسات الدولة أدت إلى إيقاف عملية البيع واستمرار احتفاظ الحكومة بملكية البنك منذ ذلك التاريخ .
ومما عزز من فكرة التقييم غير العادل للبنك – حسب ما تردد بشأن صفقة بنك الأمارات دبي – هي أن قيمة الصفقة المعلنة والبالغة المليار دولار – توازى 50 مليار جنيه – لا تتعدى إجمالي أرباح البنك الصافية على مدار أربع سنوات قادمة حيث حقق البنك صافى أرباح قدرها 12,4 مليار جنيه وفقاً للمركز المالي المعلن بنهاية ديسمبر - كانون أول – 2024 وبزيادة قدرها 86 في المئة من الأرباح المحققة في العام السابق 2023 الأمر الذي يؤشر على استمرار تحسن الأداء التشغيلي للبنك بعدما جرى تغيير إدارته العليا واستقدام المصرفي حسين أباظة لرئاسته وهو الذي عمل في مواقع قيادية في البنك التجاري الدولي على مدار عشرين عاماً .
أيضا استندت فكرة التقييم غير العادل للبنك استناداً لتواجد تاريخي مؤثر في السوق المصرية على مدار أكثر من 73 عاماً – تأسس البنك قبل شهور من قيام ثورة يوليو 1952 على أيدى مجموعة من العائلات الرأسمالية المصرية في ذلك الحين بقيادة عبد الحميد سراج الدين سليل عائلة سراج الدين الإقطاعية المعروفة قبل ثورة يوليو – ويعد ثالث أكبر بنك حكومي وتدور حصته السوقية حول 5 في المئة ويمتلك قاعدة إيداعات تبلغ نحو 700 مليار جنيه وشبكة فروع تضم 240 فرعاً موزعة على كافة مناطق الجمهورية ويساهم في رؤوس أموال أكثر من 60 شركة مساهمة مصرية تعمل في مختلف القطاعات إلى جانب أصول عقارية ومحفظة أراض ضخمة ألت للبنك في عمليات تسويه مع عملاء متعثرين في أوقات سابقة .
دور اجتماعي
وزاد من حدة الموجة الاعتراضية على بيع بنك القاهرة بين شرائح المجتمع المصري بصفة عامة ذلك الدور الاقتصادي ذو البعد الاجتماعي الذي لعبه البنك منذ نحو 25 عاماً حيث كان أول بنك حكومي يؤسس ويطلق محفظة ائتمانية لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للفئات المهمشة اقتصادياً والتي تتواجد في مناطق جغرافية بعيدة وقد أحرزت هذه المحفظة نجاحاً غير مسبوق حيث لعبت دوراً في تعريف المجتمع بفوائد المشروعات الصغيرة وخلقت جيلاً كاملاً من أصحاب هذه المشروعات ورواد الأعمال اللذين نمت أعمالهم بمرور الوقت وتحولت إلى شركات صغيرة ومتوسطة ناجحة إلى حد كبير .
كما لعب البنك دوراً في إطلاق ونجاح فكرة شركات التمويل غير المصرفي بكافة أنواعها وصنع جيلاً من الشباب المصرفيين الذين لعبوا دوراً مهماً في تأسيس هذه الشركات خلال السنوات العشر الماضية سواء في مجالات التمويل متناهي الصغر أو التأجير التمويلي أو التخصيم أو التمويل الاستهلاكي أو غير المصرفي ناهيك عن محفظة كبيرة يمتلكها البنك ذاته في هذه القطاعات التمويلية المختلفة .
تركز إماراتي
أما الأوساط المصرفية ودوائر الأعمال في مصر فتبدي العديد من المخاوف المشروعة تجاه فكرة التركز الإماراتي في القطاع المصرفي لاسيما في حال إتمام هذه الصفقة الكبيرة نسبياً مقارنة بالبنوك الإماراتية الأخرى المتواجدة بالسوق والتي تضم بنوك أبو ظبى الأول والمشرق والإمارات دبي وأبوظبي الإسلامي والاتحاد الوطني .
وتلمح هذه المخاوف إلى أن هذا التركيز في الملكية قد ينتج عنه نوع من السياسات الائتمانية والتمويلية غير المواتية لظروف وأوضاع السوق المصرية في الفترة القادمة أو توجيه التمويل لقطاعات قد تكون غير مطلوبة لدعم حركة النمو الاقتصادي بالبلاد.
وتأتي هذه المخاوف رغم أداء جيد تبديه البنوك الإماراتية وأرباح ضخمة تحققها في السوق المصرية منذ سنوات إلى جانب امتلاكها محفظة " تمويل تجزئه " موجهه للأفراد توسعت فيها كثيراً خاصة في تمويلات السيارات وشراء الوحدات السكنية وغيرها إلا أن ما يهدئ من هذه المخاوف هو ذلك الدور الرقابي اللصيق الذي يمارسه البنك المركزي المصري على كافة البنوك العاملة في السوق.
سيناريوهات مفتوحة
من هنا يمكن القول أن صفقة بيع بنك القاهرة باتت مفتوحة على العديد من السيناريوهات إحداها حصول بنك الإمارات دبي على البنك ولكن ليس بمليار دولار بل بالقيمة العادلة التي سوف تحددها عملية التقييم التي تجرى الأن أو حصول الإمارات دبي على حصة رئيسية وليس امتلاك كامل للبنك مع طرح حصة لن تقل عن 30 بالمئة للمستثمرين في بورصة القاهرة وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً ليس لأسباب اقتصادية بل لأسباب سياسية واجتماعية أطلت برأسها فجأة في هذه الصفقة لاسيما وأن بعض نواب البرلمان تقدموا باستجوابات وطلبات إحاطة للحكومة حول أبعاد هذه الصفقة وما ينقصها من شفافية الأمر الذي قد يدفع الحكومة لترجيح الطرح في البورصة مع بيع حصة رئيسية لمستثمر استراتيجي سواء كان هذا المستثمر بنك الإمارات دبي أو غيره .